نعيش الآن في عصرنا الحديث وقد تبنينا الكثير من أساليب الغرب في التفكير والنظرة إلى الحياة التي إذا توقفنا قليلا لقياسها مع تعاليم ديننا، لوجدناها تخرج عن المنظومة الفكرية التي كانت موجودة لدينا قديما حين ازدهار حضارتنا الإسلامية. فقد كثر الحديث في أيامنا هذه عن الإعجاز العلمي في القرءان والحديث النبوي وكذلك البحث عن أساليب إثبات الحكمة المادية أو العقلية لما أمر به الشارع أو نهى عنه. فنرى الآن أننا إذا سألنا أحدهم عن سبب امتناعنا عن أكل لحم الخنزير مثلا، فإننا سرعان ما نجيب عن هذا السؤال بسرد العلل الصحية التي توصلنا إليها بواسطة العلم الحديث والمشيرة إلى ما يدعونا للابتعاد عن تناول هذه اللحوم. كذلك الأمر في تحريم شرب المسكرات. بالرغم من صحة هذه الأسباب العارضة، فإنه من الخطأ أن نبدأ الإجابة عن سؤال سبب امتناعنا عن ما نهانا الله عنه بتلك العلل. بالطبع نحن نؤمن أن ما قاله علماؤنا من أمثال ابن القيم الجوزية وعزالدين بن عبدالسلام والشاطبي وغيرهم، أن الدين لم يفرض علينا إلا لخدمة وفائدة الإنسان في الدنيا والآخرة. كذلك أيضا مقولة ابن رشد أن الله لم يعطنا شريعة تخالف ما وهبنا به من عقل وحكمة. ولكن مع ذلك يجب علينا تأصيل مبدأ في أنفسنا، وهو أن الله بالرغم من أنه لا يأمر وينهى عبثا وأنه لم يخلق هذا الكون لهوا ولعبا، فإنه لا يحتاج إلى أن تكون هناك أسباب مادية أو عقلية لما يأمر به أو ينهى عنه. هذا لا يعني أن لا نتدبر في الشريعة ونستخلص منها كل ما استخلصه العلماء إلى يومنا هذا من حكمة الله في دينه، ولكن يجب لهذا أن يكون مما يزيد في الإيمان وليس مما يرتكز عليه. فإن اجتهاد العلماء هو فعل بشر وقد يصيب في تحليله للأمور أو يخطئ، ولا ضير في هذا فإن العصمة للأنبياء والرسل عند أهل السنة والجماعة ولم توهب لأحد بعد الحبيب صلى الله عليه وآله سلم
الخطورة في جعل مركوزة الإيمان ما يقوله البشر في علل ما أمر به أو نهى عنه الشارع، أنه من الممكن أن يأتي أحدهم ممن لا يوافقون الرأي ويحاجج بقول أبلغ مما قاله الأول في علة الأحكام الشرعية من منظور عقلي أو علمي تطبيقي، جاعلا بذلك هذا الأمر أو النهي غير موافق لتلك العلة، وبذلك يعرض المرء إيمانه إلى أن يذهب مع الريح. لذلك نرى أن أسلافنا كانوا قديما يجعلون أول ما يتعلمونه من الشريعة هو ما يصححون به إيمانهم وذلك يشمل أولا إثبات وجود الله عقليا، ثم بعد ذلك ما يجب علينا اعتقاده عن الله، وبعد ذلك يأتي الامتثال للأوامر واجتناب النواهي والعلة الأصلية في ذلك أنها صدرت من إله حكيم مدبر مالك للكون يصرف الأمور فيه إلى ما يشاء وكيفما يشاء. لاحقا أتت التعليلات لكثير من أحكام الشريعة وكانت من ذلك ردة فعل من علمها زيادة في الإيمان واليقين بالله ورسوله صلى عليه وآله وسلم على ما كان هناك منهما في الأصل
مما يؤسف عليه الآن عدم التوازن في التعامل مع النصوص الشرعية وإسقاط الشريعة على الواقع وما يأتي من نوازل، وذلك ما يقع فيه الكثير منا في هذه الأيام. فإن المنهج الإسلامي ليس بالذي يفصل بين الطبيعة وما وراءها وهو أيضا ليس بالذي يحكم على الشيء من منطلق واحد فقط. فنحن لا نتبنى منهج ديكارت الذي يفصل بين الروح والجسد في ازدواجية بحتة حيث لا يكون هناك تأثير من أحدهما على الآخر، ولكننا نؤمن بانسجام بين هؤلاء وتأثير النمط الذي يختاره أحدنا في معيشته على جسده وروحه معا. فعلى سبيل المثال مما لا يشك فيه أننا حينما نرى أحدا كرس حياته في ما يرضي به خالقه، نجد في وجهه من النور الرباني ما لا يختلف عليه اثنان. أما الذي أضاع عمره في البحث عن كل ما يقضي به وطر نفسه ليرضي شهواتها واتخذ إلهه هواه، فأثر ذلك يرى في وجهه من ظلمة ما أسرف على نفسه به من ذنوب. الشاهد أننا في التعامل مع ما يأتي من نوازل أتت بطبيعة العصر الحديث المليء بالتطورات العلمية والطبية بالتحديد، ينبغي علينا أن نكون في يقظة فكرية كي لا نأخذ بالمنظور الغربي الحديث الذي لا يؤمن بالغيب ويحصر كل ما يوجد في ما يستطيع أن يدركه بالحواس الخمس
منظومة الفكر الغربية مبنية على مبدأ التبسيط، وهو أنه إذا أردنا فهم أي شيء، مهما كان ذلك الشيء، فإن كل ما ينبغي علينا فعله هو أن نبسطه إلى مكوناته الأولية التي اجتمعت في تركيبة قررتها معادلة معينة جعلت الناتج هو ما نراه أمامنا. الإفتراض الذي تقوم عليه هذه المنظومة هو أنه ليس هناك إلا هذه المكونات وأن المجموع الحاصل بعد تركيبها لن يفوقها حدا وهي متفردة. من هنا تأتي فكرة أن الفارق بين الإنسان والقرد على سبيل المثال هو أقل من واحد بالمائة من الحامض النووي، ولذلك كل ما علينا أن نفعله هو أن نحلل تركيبة هذه النسبة في الاختلاف وهذا سيوصلنا لاكتشاف سبب اختلاف الإنسان عن القرد وهما “أبناء عم” كما يقال عنهم في الغرب. بالطبع المقدمة لهذا النوع من الفهم هي في تبني نظرية داروين في التطور والارتقاء والتي لا تتوافق مع علم أو منطق، ناهيك عن ذكر عدم توافقها مع الإسلام ولكن هذا حديث آخر سنتطرق إليه في رسالة أخرى إن شاء الله
هناك روابط وطيدة بين الاتجاهين العمودي والأفقي في علاقة الإنسان مع الطبيعة وما وراءها، ولا يصح لنا الفصل بين هذين إذا أردنا الأخذ بالمنظور الإسلامي. فواقع الأمر لدينا أن الله جل في علاه خلق الخلق قبل أن يكلف الإنسان بالخلافة وحذرنا حيث قال: (والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان). هذا الميزان الرباني الذي يحفظ انسجام الطبيعة وتوازنها لم ينشأ من ذات نفسه أو من ذات الطبيعة، وإنما وضع فيها لاستمرار الحياة ومسيرتها وفق ما أراد الله. حينما ينفصل الإنسان عن علاقته العمودية ويحصر كل ما يفعل وعواقبه بما يريده أفقيا ينشأ عدم التوازن الذي نعيشه الآن في عصرنا الحديث وفي ذلك أمثلة كثيرة كارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية الناتجة عن استهلاك البشر للثروات الطبيعية، وانقراض الحيوانات البرية والبحرية بنسب لم يسبق لها نظير، وازدياد الأمراض المزمنة الجسدية والنفسية، والتخمة والبذخ في البلاد الواقعة شمال خط الاستواء المتزامنان مع الجوع والفقر على غرب هذا الخط. هذه وغيرها من أمثلة تدل على أن هناك خلل في تنفيذ ما وكلنا الله به كبشر وكخلفاء على الأرض
إذا تأملنا الشريعة الإسلامية مليا لوجدنا جليا أن الله جعل البشر فيها غاية وجعل كل ما سوى ذلك وسائل لتلبية هذه الغاية وخدمتها. فعلى سبيل المثال، إذا أخذ الرجل في النظر إلى امرأة لا تحل له بشهوة، فهو في حقيقة الأمر يسلب منها إنسانيتها ويجعل منها أداة لإشباع رغبته وفي ذلك هي تماثل أي من أدوات الحرف المهنية. هذا بالتحديد هو ما أثبته بحث أنجزه علماء المخ في الولايات المتحدة الذين وجدوا أن نشاط المخ يختلف حينما يتعامل الرجل مع المرأة على حسب كيفما ينظر إليها وهذا يعود إلى كيف يكون لباسها، فإن كانت محتشمة فهو يراها كإنسان له إرادة ذاتية وقدرة على اتخاذ قراراته بنفسه، أما إن كانت مثيرة للغرائز الكامنة وجعل ينظر إليها بشهوة، فإن نشاط مناطق المخ عنده يختلف ويراها على أنها تماثل الأدوات التي تستعمل لإنجاز الأعمال اليدوية. من هنا نرى أن من إثبات كرامة المرأة التي وهبها الله لها كإنسان ألا يكون للرجل أن ينظر إليها بشهوة أو يعاشرها إلا بعد أن تتأمن لها حقوقها الشرعية ومن جهتها عليها أن لا تعين الرجل على سلبها لإنسانيتها بارتدائها ما يثير كل من هب ودب. مثال آخر يأتي في النهي عن تعاطي المسكرات لأنها تسلب من المرء عقله الذي كان سببا في تكريمه ، وفي هذا نرى من فطرة عدي بن حاتم أنه حينما سئل عن عدم شربه الخمر أجاب “أصبح حكيم القوم وأمسي سفيههم؟”. الشاهد هنا أننا بعد الإقرار بما أمرنا الله به نجد بعد التفكر أن الشريعة إنما جاءت لتشريف الإنسان ووضعه في المرتبة التي أراد الله له أن يكون عليها
بعد تأصيل المنهج الإسلامي في التعامل مع الحياة، السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل طغى المنهج الحسي البحت الذي يتبناه الغرب المنكر للغيب وما وراء الطبيعة، على ما نسمع به من فتاوى معاصرة. الإجابة على هذا السؤال في حاجة إلى البحث أولا عن فتوى اقتضت ممن أفتى بها أن يتناول النازلة من عواقبها المادية المحسوسة على أرض الواقع وكذلك أيضا من عواقبها التي قد يكون أثرها إما حسي أو معنوي. للعثور على فتوى بهذه المواصفات فإنه لا حاجة لنا أن نبحث طويلا قبل أن نصل إلى أروقة المستشفيات حيث طرحت نازلة زراعة الأعضاء البشرية كالقلب والكبد والرئى والكلى لمن فشلت لديهم هذه الأعضاء وأصبحوا على فراش الموت مشرفين على هلاك محتم إن لم يحصلوا على متبرع ذا فصيلة دم موافقة لما لديهم وقد توفي المتبرع لتوه أو أنه يستطيع الاستمرار في الحياة بطريقة طبيعية بعد الاستغناء عن ذلك العضو، على سبيل المثال بكلية واحدة مثلا. بعد البحث عن ما قاله العلماء في هذه النازلة نجد أن الجمهور منهم، وهو الذي أجاز هذا النوع من العمليات، للأسف يبدوا وكأنهم بالفعل أخذوا في غالب الأمر بمنهج حسي بحت بالرغم من استنادهم إلى النصوص لدعم فتوى جواز هذه العمليات. فعلى سبيل المثال نرى أن أسئلة من أدلوا بفتواهم بجواز هذه العمليات كان أغلبها يدور حول فرصة نجاح العملية ومدى خطورتها على المتبرع إن كانت عضوا من أعضائه التي له مثيل آخر كالكلية مثلا، ومدى فترة النقاهة بعدها، وإذا كانت ستجلب للمريض معيشة طيبة ولن تؤدي إلى عواقب سلبية في حياة المتبرع بعد العملية. بناءا على غلبة النتائج الإيجابية من منظور طبي، ونسبة الخطر كونها ضئيلة، وأن هذا النوع من العمليات في الغالب يؤدي إلى إنقاذ حياة إنسان كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ذهب الجمهور من علماء المسلمين على جواز زراعة الأعضاء ووضعوا لها ضوابط فقهية كي لا تعمم هذه الفتوى على ما لا يجوز أن تعمم فيه ويمكن لمن يريد الفتوى بالتفصيل أن يجدها منشورة على مواقع بعض العلماء في شبكة الانترنت
مع أن هذه الفتوى لها أثر طيب ينعكس على الصورة التي يراها الناس عن الإسلام على أنه دين مواكب للتطورات العلمية وأنه لن يكون حاجزا بين استفادة الإنسان من الإنجازات الطبية، إلا أنها على ما يبدو لم تأخذ بنظرة كلية إلى ما وراء السؤال عن الحكم في نقل وزراعة الأعضاء. فإن هذا السؤال مبني على فرضية أن الإنسان ليس إلا تركيبة من الأعضاء، مثله كمثل أي جهاز مركب من مكونات انسجمت في عملها، وإذا تعطلت أي من هذه المكونات نشأ الخلل في عمل هذا الجهاز أو ربما توقف تماما، وكل ما علينا فعله لإعادة انسجامه العملي هو تغيير ما تعطل بقطعة جديدة. بالتأكيد هناك شيء من الحقيقة في ذلك عند الجسم البشري، ولكنها ليست حقيقته كاملة. بعكس ما روج له الفكر الإلحادي السفسطائي الغربي، فإن الإنسان لا يقتصر على ما يمكن أن يبسطه العلم التجريبي إلى خلايا وأعضاء لا وعي لها. بل الحقيقة تقول أن ما توصلنا إليه الآن عن طريق التقييم الشامل للإنسان أنه كائن لا يقتصر فقط على ما سعى إليه عالم الأحياء من تبسيط ومساواة مع سائر الحيوانات على الأرض. الديل على ذلك لا يكتسب من الدراسات الطبية التي طرحت على علماء الشريعة الذين أجازوا زراعة الأعضاء، والتي احتوت على إحصائيات نسب نجاح هذه العمليات وتقييم معيشة المريض بعد العملية من منظور فسيولوجي بحت. ما كان من الواجب هو النظر في الدراسات النفسية والاجتماعية التي أجريت بعد عودة المريض إلى نمط حياته قبل وقوع المرض، فإنه في تلك الدراسات من النتائج ما حير عقول علماء الغرب
في عدد من الدراسات التي تابعت من أخذوا أعضاء غيرهم ممن تبرعوا لهم في حال حياتهم أو بعد مماتهم، وجد الباحثون أنه بعد التقييم النفسي والاجتماعي بعد شهور من عملية الزراعة أنهم جميعا أقروا أنهم لا يشعرون أنهم عادوا إلى ما كانوا عليه أو أنهم بشخصياتهم القديمة. بالتأكيد هناك أثر في النفس بعد أن يكون المرء على شفا حفرة قبره وهذا قد يغير من نظرته للحياة، ولكن لم يكن ذلك الحال في هؤلاء المرضى. فقد كان من غريب تعليقاتهم أنهم شعروا وكأنما “شخص آخر لا أعرفه يعيش بداخلي”. بعد التقييم الدقيق لمن وهب العضو الجديد كانت النتائج مذهلة وبالذات في حالات زراعة القلب أكثر من غيرها. فعلى سبيل المثال، نجد فتاة شابة في بداية العشرينات من عمرها وكانت معروفة بالشقاوة وحب الإثارة والمجازفة بالمخاطر، زرع فيها قلب شاب لفي حتفه في حادث مروري وكان هو هادئا ومحبا للموسيقى وكتابة الشعر كهواية. بعد العملية أصبحت هي هادئة وأخذت طباعه التي كان عليها. قد يقول القائل أن مرورها بهذه التجربة قد يكون السبب الحقيقي في تغيرها الشخصي، ولكن الرد على هذا أتى من تجربة مباشرة من الباحث حين قرأ على هذه الفتاة بعض أشعار الشاب المتوفي، فوجدت نفسها تكمل أبيات شعر لم تسمعها قبل تلك اللحظة. من أين أتى ذلك؟ هناك مثال آخر لرجل في أواخر الأربعينات من عمره أخذ قلب فتاة ماتت في الرابعة عشر من عمرها حينما كسرت عنقها في حادث تمرين الجمباز. بعد العملية أصبحت تصرفات هذا الرجل الذي كانت له هيبة كما قالت زوجته “مثل الفتاة المراهقة”! أيضا هناك حالة ثالثة لرجل أخذ قلب فتى توفي في حادث مروري بعد خروجه من درس للموسيقى الكلاسيكية. بعد علمية الزراعة ما زال هذا الرجل يستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية حتى ضجرت زوجته، والعجيب في هذا الأمر أنه كان كارها لهذا النوع من الموسيقى قبل تلك العملية. الجدير بالذكر هنا أن عمليات زرع الأعضاء في الغرب تتم بنظام يكون فيه المتبرع والمتبرع له مجهولي الهوية لكلاهما الآخر، وما حير من بحثوا ما يحدث من تغير في شخصيات ورغبات من زرعت فيهم أعضاء غيرهم أنهم جميعا أخذوا من طباع من كانت الأعضاء منهم وأنهم شعروا بميول شديد غير مفسر لديهم إلى ما كانت لديهم من هوايات ونشاطات مختلفة، حتى باتوا وأهلهم يقولون عنهم “ليس هذا أبي” أو “ليس هذا زوجي”. إن دل هذا على شيء، فإنه يدل على أنه جاء من زراعة هذه الأعضاء ما لم يكن في حسبان الطبيب الغربي وما لا يجب أن يكون مفاجئا لأي مسلم. الجدير بالذكر هنا أن هذه النتائج غير محصورة في عمليات زراعة القلب فقط، بل هناك نتائج مماثلة في من حصلوا على زراعة رئى أو كلى أو كبد وكل ذلك موثق في دراسات علمية أجريت في الولايات المتحدة وبريطانيا. هذه الاكتشافات والتطورات في الطب تعرض الآن سؤالا لا يبدو أن أحدا اشتغل بإجابته، وهو: هل هناك حد للعلاج الطبي تضعه الشريعة، أم أن كل السبل متاحة ما دمنا نريد الحفاظ على حياة المريض مهما كانت العواقب؟
نحن نعلم من السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في يوم بدر يخاطب المشركين من قريش الذين لقوا حتفهم خلال المعركة وكأنهم أحياء، قائلا لهم “هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقا”، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه “يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ؟!” قال صلى الله عليه وسلم “ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عليَّ شيئا”. بالرغم من أنه ليس باستطاعتنا إدراك ما يحدث للموتى بحواسنا الخمس، لكننا نؤمن بأنهم في حياة البرزخ يعيشون إما في نعمة أو نقمة حتى يوم البعث، وهناك ما يكفي من الحديث والآثار التي تدل على أنه بالرغم من انتقال الميت من هذه الحياة إلى حياة أخرى، إلا أنه ما يزال لديه صلة بالحياة في الدنيا. زد على ذلك أن أجساد الأنبياء والشهداء حفظوا من التحلل الطبيعي وكان هذا زيادة في التشريف لهم، وفي كل ذلك إشارة إلى مكانة لجسد الإنسان تفوق ما أخذ به المنهج المنكر للغيب والذي حصره فقط في المادة المحسوسة البحتة. ما يؤسف له أن البعض قد يتخذ تفسيرا مجازيا لظاهر الشواهد على حقيقة إدراك الموتى لما يحدث حولهم بعد مماتهم، وهذا دليل على أخذ بالمنهج الغربي المتشكك في حقيقة ما وراء الطبيعة. ما يجب أن يكون في اعتقادنا أنه عدم استطاعتنا إدراك شيء أخبر به الشارع بالحواس لا يدل على عدم وجوده أو على أنه قد لا يكون واقعا حقيقي
المنهج الإسلامي له منظور متعدد الأبعاد ويقيس الأمور من منطلق يدمج فيه علاقة الإنسان العمودية والأفقية مع الطبيعة وما وراءها. ما يجب علينا هو تفعيل هذا المنهج والتنبه لطغيان المنهج الغربي الذي تسبب الآن في خلل الميزان الرباني على وجه الأرض. ما نحتاجه الآن هو نخبة من العلماء الذين باستطاعتهم التمكن من العلم الشرعي والتجريبي أيضا ثم الدمج بينهما بطريقة تعينهم على رؤية المقصد الأسمى ليقوم الإنسان بخلافته التي كلف بها على أحسن وجه ممكن
وصلى الله على أفضل خلق الله سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه ومن والاه