إن فكرة تصنيف الإسلام إلى راديكالي أو معتدل أو متطرف تعطي مصداقية لافتراض أن الإسلام لديه جانب متأصل في داخله يجعله خطرًا ويزيل المسؤولية من على كاهل الفرد ويلقيها على الدين نفسه
وفي خضم المناقشات الجارية حول العلاقة بين الإسلام والعنف، وبالنظر إلى جميع الاختلافات بين تصنيفات الإسلام، يبقى سؤال رئيسي واحد دون إجابة: هل يسمح للمسلم من حيث المبدأ أن ينتهج العنف، إذا برر السياق مثل هذا السلوك؟ الجواب من وجهة نظر الغربيين هو: لا
لقد أشار جوناثان ليون إلى هذه المشكلة في كتابه “الإسلام من خلال عيون غربية” بالقول إن الغرب قد “احتكر لنفسه شرعية استخدام القوة في الصراعات التي تضرب العالم الإسلامي.” وواصل ليون الحديث قائلاً
إن التصريحات الغربية حول موضوع العنف والحرب تقوم بالأساس على بعض المبادئ المركزية المعادية للإسلام وهي: أن الإسلام عنيف بطبيعته وأنه قد انتشر بالقوة فقط، وأن المسلمين غير عقلانيين ويدفعهم التعصب الديني. والنتيجة هي خطاب يتيح للغرب القدرة على تحديد أي التكتيكات والأسلحة والأهداف مشروعة وأيها ليس كذلك
قي الحقيقة الإسلام ليس دين سلام. كما أنه ليس دين عنف أيضا. إنه دين للبشر، الذين ينخرطون أحيانًا حسب طبيعة غرائزهم في صراعات عنيفة. ولذلك، ليس من المناسب النظر إلى القرآن الكريم بوصفه نصًا متناقضًا لأنه يحتوي على آيات تدعو إلى السلمية وأخرى تدعو إلى العنف. بل هو نص يحتوي على آيات تتعلق بضبط السلوك أثناء النزاعات العنيفة، يكتنفها تعاليم تدعو إلى السلام والتعايش
يصر البعض أن هناك صلة مباشرة بين تصريحات المتطرفين العنيفين وأفعالهم. إن هذا أمر مفهوم إذا نظر أحدهم إلى الإسلام بوصفه كيانًا يمكن إزالته من ثقافة السكان المعتنقين له منذ 14 قرنًا. ولكن ما يفشل كثير من المراقبين في الغرب في إدراكه هو أن الإسلام قد يخدم أحيانًا كلغة للتعبير بالنسبة لبعض المسلمين، والتي قد تعكس أو لا تعكس دوافع الفرد أو حتى بالضرورة تعاليم الدين. هذا اللغز يصبح أكثر وضوحًا بعد مراجعة أدلة كثيرة متوفرة لدى المتطرفين العنيفين
في مقالته عمن يتمنون أن يصبحوا جهاديين والذين اشتروا كتاب “الإسلام لمن لا يعرفه” من موقع أمازون قبل محاولتهم السفر إلى سورية، يستشهد مهدي حسن بمذكرة سرية حول التطرف مسربة عام 2008 من وحدة العلوم السلوكية في الاستخبارات البريطانية حيث كشفت أن عددًا كبيرًا من المسلمين المتطرفين “لا يمارسون شعائرهم الدينية بانتظام. ويفتقر العديد منهم إلى الآداب الدينية، ويمكن اعتبارهم حديثي العهد بالدين”. وخلافًا لاعتقادهم الخاطئ أنهم ينفذون أوامر القرآن الكريم، فإن من يسعون إلى أن يصبحوا جهاديين من الغربيين يستنتجون أن تلك الأفكار ما هي إلا من نسج عقولهم بعد قراءتهم للصحف
وعلى عكس نظرائهم في الغرب، لا يمكن وصم الراديكاليين في الشرق الأوسط بأنهم جماعات جاهلة ومحرومة اقتصاديًا. في 2007، نشر معهد غالوب دراسة متخصصة لجون إسبوزيتو وداليا مجاهد تحت عنوان “من يتحدث باسم الإسلام؟” خصَّصا فيها فصلاً لمعالجة مسألة سبب ظهور الفكر الراديكالي. ووفقًا لاستطلاعات معهد غالوب في الدول الإسلامية، ظهر أن 7 في المئة من السكان يحملون آراءً سياسية متطرفة، حيث يعتبرون أن الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 في نيويورك مبررة “تمامًا” ولهم آراء سلبية تجاه الولايات المتحدة
وعلى افتراض أن المتطرفين السياسيين كانوا على الأرجح سيدعمون أو يكونون مصدرًا للتجنيد للجماعات الإرهابية، تم مقارنة وتحليل إجاباتهم بشكل أعمق مع آراء بقية السكان. وقد ظهر أن المتطرفين سياسيًا في المتوسط أكثر تعليما من المعتدلين: 67 في المئة من ذوي الآراء السياسية المتطرفة حاصلون على التعليم الثانوي على الأقل (مقابل 52 في المئة من المعتدلين). هذا التفاوت يختلف أكثر من الناحية الاقتصادية حيث أن 65 في المئة من المتطرفين سياسيًا لهم دخل متوسط أو فوق المتوسط، مقابل 55٪ من المعتدلين
عندما يتعلق الأمر بالشعائر الدينية، أظهرت البيانات وجود فروق بين المعتدلين والراديكاليين في أهمية الدين في حياتهم اليومية والمواظبة على ارتياد المساجد. وجاء الفرق المفاجئ في ردود أولئك الذين سئلوا لماذا أدانوا تصرفات المتطرفين، فتبين أن الكثير من هؤلاء أدانوا العنف المتطرف لأسباب دينية، وأخذوا القرآن كدليل لذلك. في المقابل، لم يستشهد سياسي راديكالي ممن تغاضوا عن إدانة هجمات 11/9 بالقرآن كمبرر
تشكل الأدلة المتاحة حالة واضحة وهي أن وجود الجماعات الإسلامية المتطرفة هو نتيجة مباشرة للظروف السياسية التي تفرضها السياسات الخارجية الغربية في الشرق الأوسط، وأن الدين مجرد وسيلة للتعبير لها. كما أن كل محاولات “دحض” أيديولوجيا هذه المجموعات هي انحراف عن معالجة الأسباب الحقيقية لوجود مثل هذه الجماعات في المقام الأول. إن تلك المحاولات من غير المرجح أن تنجح، كما أنها تجعل الأمر أكثر صعوبة في التعامل مع خطاب التخويف من الإسلام الذي أصبح منتشرًا بشكل متزايد أكثر مما كان عليه بالفعل